

بالنسبة لكثير من المغتربين المنتقلين إلى دبي، يُعدّ العثور على سكن ميسور التكلفة أولوية قصوى أثناء محاولتهم التوازن بين الحياة في المدينة والميزانيات المحدودة. ولكن في خضم السعي لحجز غرفة أو شقة بسعر مناسب، يدفع البعض ثمناً باهظاً—إذ يخسرون أموالهم التي كدّوا لجمعها في عمليات احتيال إيجاري يبدو أنها في تزايد.
في سوق العقارات السريع في الإمارات، حيث تظهر الإعلانات وتختفي بسرعة، أوجد الطلب المرتفع على السكن الميسور فرصاً للمحتالين لاستغلال المستأجرين غير المشتبهين.
إحدى الضحايا هي "في. إس."، مساعدة طبيب أسنان من الهند انتقلت مؤخرًا إلى دبي. كانت تتطلع للعثور على غرفة لا تستنزف مدخراتها المحدودة، فعثرت على عرض مغرٍ في "فيسبوك ماركت بليس". الغرفة كانت بالقرب من مركز برجمان التجاري، ضمن ميزانيتها وقريبة من مقر عملها—بدت مثالية.
خوفًا من أن تخسر الصفقة لشخص آخر، سارعت "في. إس." بتحويل 500 درهم كـ"رسوم حجز" للوكيل المزعوم. تقول الشابة البالغة من العمر 23 عامًا: "كان كل شيء يبدو عاجلاً. لم أرد أن أفوت الفرصة"، موضحة أن مثل هذه الإعلانات عادة ما تُعطى لمن يأتي أولاً. ولكن بعد إرسال المال، اختفى الوكيل.
ولم تكن "في. إس." وحدها. نورة، مغتربة تونسية تبلغ من العمر 28 عامًا، شاركت تجربة مماثلة—بل تعرضت للاحتيال مرتين. جذبتها قائمة على مجموعة فيسبوك لشقة في البرشاء، وطُلب منها أولاً دفع 500 درهم لحجز المكان. بعد التفاوض، دفعت 300 درهم، ليقوم "الوكيل" بحظرها فورًا بعد التحويل. لم تستطع التواصل معه مجددًا أو استعادة مالها—فضلاً عن الحصول على شقة.
وفي المرة الثانية، ردت على إعلان لشقة في دبي مارينا بموقع مميز وقريب من الترام والمترو. هذه المرة حولت 1000 درهم لحجز الغرفة. "بدت صفقة رائعة"، أوضحت. "الصور والفيديوهات التي تلقيتها بدت حقيقية، لكن الوكيل العقاري توقف عن الرد تمامًا".
مغتربة فلبينية تُدعى ليز راموس (اسم مستعار بناءً على طلبها) أخبرت "خليج تايمز" كيف انسحبت من محادثة عندما شعرت بوجود فخ. في أبريل، أثناء بحثها عن سكن، سألت عن إعلان بدا واعدًا. قالت المالكة إنها في المملكة المتحدة وتبحث عن مستأجر لغرفة من غرفتي شقتها.
وعندما طلبت ليز رؤية المكان شخصيًا، حاولت المالكة تقديم جولات عبر الفيديو بدلاً من ذلك. "كانت تكرر أنها بالخارج وتملك المفاتيح، لكنها تستطيع إرسال فيديوهات. كما حاولت مرارًا إحالتي إلى Booking.com لإتمام الصفقة هناك. إذا لم أستطع رؤية الشقة لأن المفاتيح معها في المملكة المتحدة، فكيف كنت سأنتقل أصلاً؟" تساءلت ليز.
كل ذلك بدا مريبًا وأثار الشكوك لدى ليز، التي قالت إنها مرت بتجارب سيئة عديدة مع وكلاء عقارات غير أمناء.
بعض عمليات الاحتيال تتجاوز ذلك، حيث يُخدع المستأجرون للانتقال إلى شقق مشتركة تحت وهم الشرعية، ليكتشفوا لاحقًا أنهم يعيشون في وضع غير قانوني أو غير مستدام.
هذا ما حدث مع "كارتيكا"، محترفة تسويق رقمي هندية تبلغ من العمر 26 عامًا انتقلت إلى دبي في يوليو 2024. وجدت إعلانًا لشقة غرفتين مشاركة بالقرب من مكتبها في شارع الشيخ زايد. بعد معاينة الشقة في مبنى آمن بدا مطمئنًا، شعرت بالارتياح.
تقول: "كان المبنى جيدًا. تحتاج إلى بطاقة دخول، وقال الوكيل إنه سيعطيني إياها بعد الانتقال".
توقعت "كارتيكا" أنها ستستأجر غرفة، بينما تشغل زميلة أخرى الغرفة الثانية. لكنها اكتشفت أن الشقة تضم بالفعل ست نساء؛ اثنتان في كل غرفة وثلاث في صالة مقسمة. "النساء في الغرف كن يدفعن 2200 درهم لكل واحدة. عرض على اثنتين أخريين وأنا الصالة المقسمة مقابل 1800 درهم لكل واحدة. جميعنا دفعنا 1000 درهم كوديعة أيضًا. لكن المشاكل بدأت فور انتقالي"، تروي.
"كان علينا أحيانًا التسلل إلى شقتنا كضيوف في شقق أخرى"، وتضيف: "أحيانًا كنا ننتظر في اللوبي لساعتين حتى يدخل أحد السكان لنلحق به عبر البوابات".
سرعان ما ساءت الأمور أكثر. علمت "كارتيكا" من باقي النساء أنهن يعانين نفس المشاكل "منذ بداية إقامتهن". كان الوكيل يحثهن على عدم الخروج كثيرًا، ويقترح طلب الطعام والبقالة للداخل حتى لا يلاحظ الأمن كثرة السكان.
تقول: "غادرت فورًا وحاولت استعادة 2800 درهم دفعتها له مقدمًا، لكنه توقف عن الرد على مكالماتي. وبعد شهر، أخبرتني باقي المستأجرات أنهن طُلب منهن إخلاء الشقة منتصف الليل"، مشيرة إلى أنهن خسرن أموالهن أيضًا، إذ قام الوكيل بحظرهن جميعًا. "أنا متأكدة أنه يكرر نفس الخدعة مع آخرين. جمع 21,200 درهم في الشهر الأول فقط. وبعد خروج المجموعة، يعيد الكرة مع مجموعة جديدة".
أصبحت منصات التواصل مثل فيسبوك وبعض مواقع الإعلانات بؤرًا ساخنة لمثل هذه العمليات، ما يمنح المحتالين وصولاً سهلاً إلى الباحثين عن السكن.
مؤخرًا، ألقت شرطة دبي القبض على وكيل مزيف كان ينشر إعلانات إيجار وهمية على مواقع التواصل والإنترنت، مستهدفًا الباحثين عن سكن بأسعار معقولة. وحثت السلطات الجمهور على توخي الحذر والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.
ونتيجة لانتشار هذه العمليات، يقول وكلاء العقارات المرخصون مثل "جوشوا بارنز" إن السوق أصبح أكثر صعوبة. "الناس أصبحوا أكثر حذرًا—وهذا مفهوم—لكن هذا يعني للأسف أنهم يفوتون أحيانًا فرصة استئجار منزل بسبب ضيق الوقت وتعدد المتقدمين لنفس العقار"، يوضح بارنز، مستشار عقاري في "نوماد هومز".
"بعضهم يطلب حتى رؤية مستندات ملكية أو بطاقة هوية الإمارات للمالك قبل توقيع أي عقد، ما يعقد المعاملات الشرعية ويبطئ العملية"، يضيف بارنز.
ورغم أهمية الحذر، إلا أن بارنز يرى أن ذلك يضيف تعقيدًا للصفقات الشرعية.
توصي دائرة الأراضي والأملاك وخبراء القطاع بما يلي لتجنب الوقوع ضحية للاحتيال:
التعامل مع وكلاء معتمدين من "ريرا" ومحامين قانونيين: يضمن المستشارون المعتمدون الامتثال للوائح وحماية استثمارك.
إجراء العناية الواجبة: تحقق دائمًا من بيانات المطورين وتأكد من حالة الموافقة على المشروع.
معرفة مناطق التملك: الإصلاحات الأخيرة تسمح بتملك أوسع للأجانب. اعرف المناطق المؤهلة والشروط.
استخدام الأدوات الرقمية الرسمية: تتيح منصات مثل "دبي ريست" وتطبيقات دائرة الأراضي التحقق من سندات الملكية وتتبع المعاملات والوصول لبيانات السوق لحظيًا.
مراجعة استراتيجيات الاستثمار بانتظام: سواء كنت تشتري للإيجار أو البيع أو الاحتفاظ طويل الأجل، تأكد من أن استراتيجيتك تتماشى مع قوانين دبي العقارية المحدثة.
(بمساهمة من نسرين عبدالله)