
في خطوة رائدة قد تُعيد تعريف مفهوم الوقاية من الجريمة، قام باحث إماراتي وعضو في شرطة دبي بتطوير نظام محلي يمكنه اكتشاف الجرائم قبل وقوعها.
الدكتور سالم المري، أول إماراتي يحصل على درجة الدكتوراه من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)، صمم نظامًا لكشف الشذوذ في الفيديو (VAD) قادرًا على تحديد السلوكيات غير العادية في الوقت الفعلي. يمكن لهذه التقنية، من الناحية النظرية، تنبيه السلطات إلى نشاط مشبوه أو ضار حتى قبل تقديم شكوى رسمية، أو حتى قبل ارتكاب الجريمة.
وصرح المري لصحيفة "خليج تايمز": "اليوم، نفهم كيف يبدو الإنسان أو الجسم ويتحرك. ولكن كيف نفهم شيئًا يكسر النمط، [مثل] الشذوذ؟" وأضاف: "شخص يمشي بطريقة غريبة جدًا قد يعني أن هناك شيئًا ما يحدث. قد يكون حادثًا، أو خطرًا، أو شجارًا يدور. للشذوذ معانٍ مختلفة في الحياة الواقعية؛ ونحن ندرب الذكاء الاصطناعي على التعرف عليها."
بينما حقل كشف الشذوذ موجود منذ عقود، يأخذ بحث المري المفهوم إلى عالم الفيديو والصوت. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتم تدريب نموذجه على التمييز بين اللقطات العادية وغير العادية. على سبيل المثال، تعلم تحديد متى تحدث حادثة مثل السرقة أو الاعتداء، حتى لو كانت تتكشف بطريقة خفية أو غير عنيفة. وكمثال، استشهد بـ "مشهد افتراضي حيث يقترب رجل من أمين صندوق ويطلب المال بلطف."
"الكاميرا العادية لن تعرف ما الذي يحدث، ستشاهد فقط أمين صندوق سخي يسلم المال لشخص ما." ولكن تحت السطح، قد يكتشف نموذج الذكاء الاصطناعي إشارات خفية مثل وضعية الجسم، نبرة الصوت، والسلوكيات الدقيقة — التي تشير إلى الإكراه أو التهديد. ويوضح المري أن النموذج يجب أن "يفهم أولاً ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي،" من خلال تدريبه على كميات كبيرة من اللقطات المصنفة.
تضمن بحث المري، الذي أجراه خلال انتدابه من شرطة دبي، آلاف التجارب التدريبية باستخدام مجموعات بيانات من العالم الحقيقي. وللتغلب على تحدٍ رئيسي — وهو أن العديد من مقاطع الفيديو لا تشير بوضوح إلى متى يبدأ حدث غير طبيعي — صمم المري نهجًا جديدًا. "لقد قمت بخلط أجزاء مختلفة من مقاطع الفيديو لإنشاء مجموعة بيانات مخصصة، لحظة تُظهر حادث طريق، تليها أشخاص يمشون بشكل طبيعي في مركز تجاري، ثم شجار في الشارع،" موضحًا: "بهذه الطريقة، تعلم النموذج التعرف على متى يتحول شيء ما من عادي إلى غير عادي."
تناول عمله أيضًا عقبات العالم الحقيقي التي قد تعيق الأداء. فقد طور معيارًا يسمح للنموذج بالعمل حتى عندما تكون إحدى المدخلات، سواء الصوت أو الفيديو، فاسدة. ولهذا آثار كبيرة في الإمارات، حيث يمكن للظروف الجوية مثل الضباب أن تعيق وضوح الفيديو. ويشير المري إلى أنه "إذا كان هناك ضباب كثيف أو تشويش صوتي، فإن العديد من النماذج تفشل. لذلك قمنا بتدريب نموذجنا على الاعتماد على وضع واحد إذا كان الآخر معرضًا للخطر. وهذا أمر بالغ الأحديد للبيئات مثل القيادة الذاتية أو المراقبة أثناء ضعف الرؤية." وتُعد هذه النتائج الرئيسية جزءًا من رسالة الدكتوراه الخاصة به في MBZUAI، التي أجريت تحت إشراف البروفيسور كارثيك نانداكومار في مختبر سبيرنت للذكاء الاصطناعي، الذي يركز على تقنيات الأمن والخصوصية والحفاظ على البيانات.
رحلة المري متجذرة في طفولة مليئة بالاختراعات. فقد بنى والده، المهندس، توربين رياح بدون براغي في التسعينيات، وواجهة كمبيوتر للأشخاص الذين لا يمتلكون أطرافًا، ونظام حضور رقمي لضباط الشرطة — قبل أن تصبح هذه التقنيات سائدة بكثير. "كان تحديًا شخصيًا بالنسبة لي، أن أحاول على الأقل الاقتراب من إنجازاته، وأن أحمل إرثه." بعد انضمامه لشرطة دبي عام 2016 وعمله في مجال الروبوتات والطائرات بدون طيار، تابع تعليمه العالي في الذكاء الاصطناعي ليظل على اطلاع مع تحول القسم إلى قوة تعتمد على البيانات.
بعد حصوله على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية من معهد روتشستر للتكنولوجيا، تم اختياره ضمن الدفعة الأولى لبرنامج الدكتوراه في رؤية الحاسوب بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي - وهي خطوة يصفها بأنها تحولية. ويصف المري، البالغ من العمر 30 عامًا: "لقد جعلتني جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي متواضعًا. لقد فزت بمسابقات وعملت في مشاريع رائعة، لكن هذا كان شيئًا مختلفًا. لقد واجهت تحديات مرارًا وتكرارًا. عندما غادرت، اعتقدت أنني لا أعرف شيئًا. ولكن عندما عدت إلى الواقع، أدركت أنني كنت مجهزًا لمواجهة أي تحدٍ."
يستعد المري الآن للعودة إلى شرطة دبي ويأمل في تقديم عمله للقيادة العليا. وبينما لم يتم تطبيق النظام بعد من قبل الشرطة، إلا أنه يعتقد أنه يمكن أن يكون ذا قيمة كبيرة. "لقد قاموا بعمل استثنائي،" في إشارة إلى قدرات الشرطة في مجال الذكاء الاصطناعي. "[التقنية] تعمل. يمكن نشرها. الأمر متروك لهم لكيفية استخدامها." وأعرب عن ثقته بأن شرطة دبي، الرائدة المعترف بها في مجال الشرطة الذكية، ستكون في وضع جيد لدمج هذا البحث.
أما عن الخطوة التالية، يأمل المري في نشر الأبحاث بانتظام، وتوجيه المواهب الشابة، ومواصلة الابتكار - دائمًا بهدف رد الجميل لوطنه. "لقد حظيت بشرف كوني أول إماراتي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي،" مشيرًا: "هذا يأتي بمسؤولية. البحث هو إحدى طرق رد الجميل، ليس فقط للعلم، بل لدولة الإمارات العربية المتحدة."