يشهد سوق المكاتب في دبي ازدهاراً كبيراً، مدفوعاً بالطلب القوي والعرض المحدود وارتفاع أسعار الإيجارات، مما يضع الإمارة كمركز عالمي للأعمال والابتكار.
وبحسب أحدث تقرير صادر عن "سافيلز" حول سوق المكاتب في دبي، ارتفع متوسط نمو أسعار الإيجار على أساس سنوي بنسبة 45% عبر مختلف القطاعات الفرعية في عام 2025، مع قيادة المناطق التجارية الرئيسية مثل مركز دبي المالي العالمي (DIFC)، وخليج الأعمال، و"داونتاون دبي"، و"تيكوم".
يتميز مركز دبي المالي العالمي، على وجه الخصوص، بمعدل إشغال مذهل يبلغ 98%، مما يُبرز المنافسة الشديدة على مساحات المكاتب المتميزة. وتشهد مساحات المكاتب من الفئة الأولى في المدينة طلباً كبيراً من قِبل المستأجرين الإقليميين والدوليين، مدفوعاً بجاذبية دبي الاستراتيجية كبوابة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
وأفادت "سافيلز" بزيادة صافي تكاليف الإشغال الفعلية بنسبة 4.9% في الربع الأول من عام 2025، والتي تشمل الإيجار الأساسي، وتكاليف التجهيز، وتكاليف التأجير الأخرى. هذا يضع دبي في المرتبة الثامنة بين أغلى أسواق المكاتب الرئيسية عالمياً، بمتوسط تكاليف يبلغ 148.90 دولاراً أمريكياً للقدم المربع سنوياً.
وقال "توبي هول"، رئيس قسم الشؤون التجارية في "سافيلز": "يعكس هذا النمو الثقة بمكانة دبي على المدى الطويل. فالشركات لا تنظر إلى دبي كمقر إقليمي فحسب، بل كمركز عالمي للابتكار والتمويل وريادة الأعمال". وتُسهم القطاعات الأساسية، مثل الخدمات المالية والاستشارات والتكنولوجيا والإعلام، في دفع الطلب، حيث تُمثل غالبية معاملات السوق.
ومع ذلك، لا يزال المعروض من المساحات المكتبية عالية الجودة منخفضاً للغاية، حيث تتوقع شركة "كوشمان آند ويكفيلد كور" نقصاً في المعروض حتى عامي 2027 و2028. وبينما من المتوقع أن يتضاعف المعروض من المكاتب الجديدة في عام 2025، مما يضيف 1.66 مليون قدم مربع، فإن معظم هذه المساحات مؤجرة مسبقاً نظراً للطلب المتزايد. وسيساهم مركز دبي المالي العالمي وحده بنحو ثلث المعروض من المكاتب في المدينة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ومن المتوقع أن تُشغل معظم المساحات قبل اكتمال المشروع.
يتمتع سوق المكاتب في دبي بثاني أعلى معدل إشغال عالمي بنسبة 92%، ومن المتوقع أن يتجاوز 94% بحلول نهاية عام 2025. وفي عام 2024، ارتفعت إيجارات المكاتب بنسبة 22% على أساس سنوي، مع توقعات تشير إلى زيادة إضافية بنسبة 10-12% في عام 2025. ويدعم هذا النمو تدفق الشركات الجديدة والشركات الأجنبية التي تجتذبها مكانة دبي كمركز تجاري وسياحي ومالي.
ويسلط تقرير صادر عن شركة "سي بي ار إي" (CBRE) الضوء على أن النقص الكبير في المساحات عالية الجودة في المواقع الرئيسية أدى إلى تكثيف المنافسة، مما دفع أسعار الإيجار إلى الارتفاع بنسبة تزيد عن 20 في المائة سنوياً وخلق تحديات للمستأجرين أثناء تجديد عقود الإيجار.
ورغم ضيق السوق، يتكيف مُلّاك العقارات لتلبية احتياجات المستأجرين المتغيرة. ففي المناطق الراسخة، حيث يندر وجود عقارات من الفئة الأولى، يُقدّم مُلّاك العقارات شروط إيجار مُصمّمة خصيصاً، ومرافق مُحسّنة، وأعمال تجديد لجذب المستأجرين. وفي الخليج التجاري، يُقدّم بعض مُلّاك العقارات المُشتركة الآن أسعار إيجار تُضاهي أسعار مركز دبي المالي العالمي، مما يعكس ارتفاعاً أوسع في القيمة المُتصوّرة في الأسواق الفرعية.
في الوقت نفسه، لا يزال تجديد عقود الإيجار خياراً شائعاً للشركات، لا سيما خارج مركز دبي المالي العالمي، حيث توفر حماية الإيجار من مؤسسة التنظيم العقاري (ريرا) الاستقرار في بيئة تشهد ارتفاعاً في التكاليف. كما يُعطي المستأجرون الأولوية للتصميمات العملية والقدرة على التكيف على المدى الطويل على تصاميم المكاتب الواسعة أو المعقدة، مما يُحسّن استخدام المساحات بما يتماشى مع اتجاهات سوق العمل الحديثة.
في حين أن آفاق سوق المكاتب في دبي لا تزال متينة، بفضل أساسيات قوية واهتمام مستمر من المستأجرين، إلا أن استمرار نقص المعروض يُشكل تحديات، إذ من غير المرجح أن تُخفف الوحدات الجديدة المُسلمة في عام 2025، والتي تُقدر مساحتها بحوالي 100 ألف متر مربع، الضغط بشكل ملحوظ. ستكون معظم هذه المساحات مُؤجرة مسبقاً، مما يُقلل من المساحة المتاحة للشركات الجديدة أو الشركات الراغبة في التوسع.